الفصل الثاني
تركيب الخلايا
تشترك كل حقيقيات النواة في نفس التركيب الأساسي؛ فهي محاطة بغشاء وتمتلئ بالسيتوبلازم
الذي يوجد بداخله مجموعة متنوعة من العضيات المحاطة بأغشية تؤدي مهامَّ معينة. من العضيات
الكبرى النواةُ التي تحتوي على الحمض النووي «دي إن إيه». في حجم يبلغ نحو واحد على ألف
من
حجم الخليةِ حقيقيةِ النواة، نجد أن تركيب الخلية بدائية النواة بسيطٌ نسبيًّا بالمقارنة
بها، على الرغم من أن البكتيريا لديها جوانب بنيوية وآلية شبيهة جدًّا بما هو موجود في
حقيقيات النواة. فغشاء خلاياها يقوم على الطبقة المزدوجة الدهنية نفسها (التي سوف نناقشها
فيما يلي)، وأيضًا تعمل آليتها الجزيئية ممثلةً في الريبوسومات التي تجمع البروتينات
بالطريقة نفسها تقريبًا كما في حقيقيات النواة. غير أن للبكتيريا تراكيبَ خلويةً متخصصةً
خاصةً بالحركة مثل السياط، وربما تكون لديها أغشية داخلية كما في حالة الفجوة الغازية
التي
تساعدها على الطَّفْو. لكن الحمض النووي «دي إن إيه» في أي خلية بكتيرية عبارة عن جزيء
دائري مفرد، ولا يوجد حيز منفصل للنواة.
(١) غشاء الخلية
كل الخلايا محاطة بهيكل حدودي هو الغشاء البلازمي الذي يعمل كحاجز بينها وبين الخلايا
الأخرى والبيئة الخارجية. وعلى الرغم من أن هذا الغشاء يحتوي على مكونات الخلية، فإن
الكائناتِ وحيدةَ الخلية (بما فيها البكتيريا) عادةً ما تحتوي على مادة إضافية خارجها،
وتتميز الخلايا النباتية بجدار خلوي قاسٍ من السيليلوز (شكل
٢-١).
وقد أظهرت الأبحاث التي استمرت أكثر من قرن أن أغشية الخلايا عبارة عن مزيج ديناميكي
بالغ التعقيد من البروتينات والدهون. ومع أن الهيكل الأساسي للغشاء البلازمي رفيع جدًّا
— سُمك جزيئين دهنيين فقط يكوِّنان طبقة مزدوجة دهنية — فهو قوي ومرن جدًّا، وهو نفَّاذ
أيضًا كي يسمح بالتبادل المستمر للجزيئات بين الخلية وما يحيط بها. ويتحقق هذا من خلال
الماء الذي يدخل ويخرج باستمرار وبطريقة مُحكَمة حاملًا جزيئات مثل الأكسجين (المطلوب
كوقود) وطاردًا الفضلات مثل ثاني أكسيد الكربون. ويمكن للغشاء ابتلاع أي مادة خارجية
كبيرة الحجم، وهي عملية تسمى بالبلعمة. ويُطلق على العملية المعاكسة «الإيماس»؛ أي قذف
الخلية لمحتوياتها، وفيها تصل فجوة محاطة بغشاء من المادة المراد إخراجها من الخلية إلى
السطح؛ حيث يلتحم الغشاءان ويفتحان للخارج، مُخرجيْنِ المحتوياتِ المراد إخراجُها دون
الإخلال بسلامة الغشاء ككل. أما عن الطبيعة الديناميكية لغشاء الخلية، فمعناها أن
الغشاء البلازمي بالكامل «يُقلَب» (أو يُستبدَل) كل ساعة.
أُجريت بعض التجارب الأوليَّة التي درست التفاعلات بين الدهون والماء لتفسير خصائص
الأغشية قُرب نهاية القرن التاسع عشر، وذلك على طاولة مطبخ في ألمانيا على يد العالمة
أجنيس بوكيلس. دَرست أجنيس سلوك الزيت المصبوب على الماء في طبق مسطح، محدِّدةً تأثير
الشوائب على التوتر السطحي للسوائل. أَرسلت نتائجها إلى اللورد رايلي الذي أُعجب جدًّا
بها، حتى إنه نشرها في المجلة العلمية «نيتشر» عام ١٨٩١. وفي عام ١٩٣٢، نال العالِم
إرفينج لانجموير — الذي كان يعمل في نيويورك — جائزةَ نوبل لإثباته أن الدهون التي
تنتشر على سطح الماء تُنتج طبقةً سمكُها جزيء واحد، وأن كل الجزيئات موجهةٌ بالطريقة
نفسها. يَحدث هذا لأن أحد طرفي الجزيء الدهني ينجذب للماء (فهو مُحِب للماء)، في حين
ينفر الطرف الآخر (فهو كارِه للماء). يأخذ كل جزيء دهني شكلَ مشبك الملابس الخشبي؛ حيث
يكون جزؤُه العلويُّ هو الطرفَ المحب للماء، وذراعاه هما المنطقةَ الكارهةَ للماء. تطفو
كلُّ المشابك على سطح الماء بحيث تكون رءوسها لأسفل وأذرعها لأعلى، مكوِّنةً طبقة
أحادية. وفي عام ١٩٢٥، عَزَل إفيرت جورتر وجيمز جرينديل أغشيةً من كرات الدم الحمراء،
ووجدا أن الغشاء مكوَّنٌ من طبقة مزدوجة من الدهون؛ رءوس المشابك المُحبة للماء فيها
في
الخارج، والأذرع الكارهة للماء في الداخل. ولأن هناك ماءً داخل الخلية وخارجها، يتم
الحفاظ على هذا الوضع؛ مما يحافظ على وجود السطحين الكارهين للماء معًا في الجزء
الداخلي لطبقة الغشاء المزدوجة. شوهد هذا التنظيم مباشرة بعد عقود مع ظهور
الميكروسكوبات الإلكترونية؛ حيث أظهرت قطاعات رفيعة ذاتُ درجة تكبير عالية الأغشيةَ
كخطين داكنين تفصل بينهما منطقة فاتحة (انظر الشكلين
٢-١ و
٥-٢(ﺟ)). في عام ١٩٣٥، أشار جيمز دانييلي وهيو دافسون أن هذه الطبقة
الدهنية المزدوجة مغطاةٌ من الجانبين بطبقة من البروتينات، وهو نموذج استمر قائمًا حتى
عام ١٩٧٢، حين أشار سيمور سينجر وجارث نيكولسون إلى أن البروتينات يمكن أيضًا أن تمتد
عبر الطبقات الدهنية وتَظهر من جانبي الغشاء. والبروتينات التي تحمل هذا التركيب تسمى
البروتينات عبر الغشائية، ويمكن لبروتين واحد أن يخترق الطبقة الدهنية المزدوجة عدة
مرات. وجدير بالذكر أن جزيئات الدهون في أي غشاء تكون كثيرةَ الحركة؛ فهي تتحرك
باستمرار بعضُها خلف بعضٍ هي وبروتينات الغشاء؛ مما يؤدي إلى وصف هذا النموذج بالغشاء
«الفسيفسائي السائل». كشف مايكل إديدين النقاب عن نشاط الدهون هذا بدقة عام ١٩٧٠، عندما
وسم الدهون الغشائية لنوعين مختلفين من الخلايا بمواد كيميائية فلورية إما خضراء أو
حمراء؛ وهو ما أسفر عن نسيج مرقط من اللونين الأحمر والأخضر من خلايا فردية زُرعت معًا
في مزرعة خلايا مختلطة. ثم أضاف إديدين فيروسات إلى المزرعة؛ وهو ما أدى إلى اتحاد
أغشية الخلايا المتجاورة بعضِها مع بعض، ومن ثم مزج الجزيئات الدهنية لأغشيتها، وفي
خلال ساعة حلَّت محل الرقع الفلورية الحمراء والخضراء رقعةٌ برتقالية كاملة؛ مما يوضح
امتزاج جزيئات الدهون الموسومة كلٍّ على حدة داخل الأغشية المتحدة.
أثناء هذه الحركة المنتظمة للجزيئات الدهنية، تطفو مجموعات من البروتينات الغشائية
في
حركة حرة داخل الطبقة المزدوجة الدهنية مثل الكتل الجليدية الطافية في البحار القطبية.
في بعض الأحيان تتجمع بعض الجزيئات الدهنية لبضع ثوانٍ مكوِّنةً تجمعات غشائية متخصصة.
لم تُكتشف تلك التجمعات الغشائية إلا مؤخرًا، ولا تزال وظيفتها غير مفهومة بالكامل، وإن
كان يبدو أن لها دورًا في عمليات تبادُل الإشارات بين الخلايا. هناك حوالي ٥٠٠ نوع من
الجزيئات الدهنية الغشائية المختلفة تحيط وترتبط بالبروتينات المختلفة التي يمكن أن
تكون قنوات عبر الغشاء وتتحكم في التدفق المستمر للجزيئات عبره. وتمكِّن تلك القنوات
الخلايا الحيوانية من الحفاظ على التركيز الداخلي للصوديوم الذي يساوي واحدًا على عشرين
من التركيز الخارجي. وهذا يتطلب ضخًّا مستمرًّا للتخلص من الصوديوم، الذي لولا ذلك لرفع
الضغط الأسموزي في الخلية، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى سحب ماء للداخل؛ مما يؤدي إلى
احتمال انفجار الخلية. في الوقت نفسه، يتم الحفاظ على البوتاسيوم داخل الخلية بتركيزٍ
أعلى بكثير من مستويات التركيز الخارجية، وتؤدي عملية الضخ الغشائية نفسها إلى إدخال
البوتاسيوم بنفس معدل إخراج الصوديوم، وهي عملية تستهلك نحو ثلث الطاقة الإجمالية
للخلية.
تعمل جزيئات البروتينات الموجودة على سطح الغشاء أيضًا عملَ المستقبِلات لإرسال
إشارات إلى الجزيئات خارج الخلية. تُمرَّر تلك الرسائل عبر سلسلة من البروتينات داخل
الخلية إلى النواة لتنشيط الجينات، إذا كان هذا مطلوبًا؛ وذلك استجابةً للظروف
المتغيرة، تتفاعل الهرمونات مثل الأنسولين تفاعلًا مباشرًا مع الغشاء؛ مما يسمح بمرور
السكر إلى الخلية. إن كل ما يمر إلى داخل الخلية؛ إما أن يؤثر في نشاط الغشاء بما يحتوي
عليه من ٥٠٠ نوع من الجزيئات الدهنية ونحو ١٠٠٠٠ نوع من البروتينات الغشائية، أو يتأثر
به. «تشعر» الخلايا بما يحيط بها من خلال زوائد دقيقة تسمى الزغيبات (انظر الشكل
١-٣(أ)–(ﺟ)). في بعض الخلايا الطلائية، كتلك المسئولة عن امتصاص
المواد الغذائية من الأمعاء، يتخذ الغشاء شكل حافة فرشاة؛ حيث تعمل الزغيبات المتراصة
بإحكام بعضُها بجوار بعض على زيادة مساحة السطح ٣٠ مرة (انظر الشكل
٥-٢ في الفصل الخامس). ومع أنه من المستحيل ترتيب الأجزاء المختلفة
من الخلية حسب أهمية كلٍّ منها بسبب الاعتماد المتبادَل فيما بينها، فإنه من دون
الأغشية، لن تكون هناك حياة مستقلة للخلايا.
(٢) الأغشية داخل الخلايا
الأغشية مهمة للغاية أيضًا داخل الخلايا لسببين؛ الأول: لتوفير الأسطح التي يمكن
أن
تَحدث عليها التفاعلات الكيميائية، والثاني: لتوفير مناطق منفصلة داخل الخلية؛ مما يسمح
بحدوث التفاعلات الكيميائية التي لولا ذلك لتداخل بعضها مع بعض. في البكتيريا، يحدد
السطح الداخلي للغشاء البلازمي موضع كل شيء داخل الخلية، ويوفر نقاط اتصال لمحتويات
الخلية التي يجب أن تكون في مواضع معينة. باستخدام تشبيه الخلية بالمصنع، يمكن القول
إن
الأغشية الداخلية توفر طاولات العمل والأرضيات والأسقف والجدران لمختلف أجزاء الخلية،
في حين تمثِّل النواة المكتب الذي تُخزَّن فيه المعلومات. في الخلايا الصغيرة، مثل
البكتيريا التي عادةً ما تكون عصوية الشكل، يوفِّر الجزء الداخلي من الغشاء البلازمي
مساحةَ سطحٍ كبيرةً بالنسبة للجزء الداخلي للخلية، بحيث يمكن لأي شيء يحتاج موضعًا
ثابتًا أن «يَعْلَق» في الداخل؛ ولذلك، يكون للبكتيريا وغيرها من بدائيات النواة بشكل
عام غشاءٌ داخلي صغير، أو لا يكون لديها غشاء داخلي على الإطلاق. كما ذكرنا من قبل،
فإن
الحجم الداخلي لحقيقيات النواة يساوي الحجم الداخلي للبكتيريا ألف مرة؛ لأن حقيقيات
النواة تتطلب نظامَ أغشيةٍ داخليةٍ كبيرًا يساوي مساحة الغشاء البلازمي نفسه بنحو مائة
مرة. وهذا الفصل الداخلي للأنشطة الكيميائية الحيوية مهم؛ لأن هناك المئات من التفاعلات
الكيميائية التي يمكن أن تتداخل بعضها مع بعض على نحو خطير. وتتغلب بدائيات النواة التي
لا تحتوي على أغشية داخلية (وحقيقيات النواة إلى حدٍّ ما) على هذه المشكلة من خلال
تجميع مجموعات من الإنزيمات المحددة في تجمعات متعددة البروتينات تعمل ككيانات حرة داخل
الخلية. بالإضافة إلى ذلك، تحصر حقيقيات النواة عمليات أيضية مختلفة داخل أقسام محاطة
بأغشية. ومنظومة الأغشية الداخلية الكبيرة في حقيقيات النواة هي الشبكة الإندوبلازمية
التي تمتد عبر الخلية بالكامل. وهذا الجزء من الخلية يسمى السيتوبلازم (وهو كل شيء داخل
غشاء الخلية باستثناء النواة؛ انظر الشكل
٢-٢(أ)، (ب))، وكل شيء فيه
محاط بعصارة خلوية (السيتوسول)؛ وهي مزيج مركب من المواد المذابة في الماء تشبه «حساءً
جزيئيًّا» مكدسًا بالمواد المختلفة.
(٣) العُضَيَّات
اثنتان من العضيات في السيتوبلازم — الميتوكوندريات والبلاستيدات الخضراء (في
النباتات) — لهما غشاءان مزدوجان لا فرديان. وهذا في الأغلب أحد الآثار المتبقية عندما
كانت هاتان العضيتان تكوينات حرة في بداية تطور الخلية. وعندما دُمجتا في خلية أكبر
أصبح غشاؤها محاطًا بغشاء خلية عائلهما. تحتوي الميتوكوندريا والبلاستيدات الخضراء على
الحمض النووي «دي إن إيه»، وهذا دليل آخر على أنهما كانتا تكوينات حرة فيما سبق. وهناك
نظريتان حول الكيفية التي أصبحت بها البلاستيدات الخضراء والميتوكوندريا جزءًا من
حقيقيات النواة: فربما «غَزَت» هاتان العضيتان الخلية حقيقيةَ النواة أو ابتلعتهما
خليةٌ أكبر، مكوِّنة علاقة يتبادل فيها الطرفان المنفعة. وَفَّرَتْ الخلية حقيقية
النواة بيئة «آمنة» أنتجت فيها الميتوكوندريا طاقة يمكن للخلية العائلة استخدامها، في
حين أنتجت البلاستيدات الخضراء (في الخلايا النباتية) الجلوكوز من خلال عملية التمثيل
الضوئي. في الميتوكوندريا، تُنتَج الطاقة من خلال الجلوكوز بواسطة عملية تسمى الفسفرة
التأكسدية، تحدث على سطح الأغشية الداخلية المسماة الأعراف (شكل
٢-٢(ب)). في البلاستيدات الخضراء، يتم إنتاج الجلوكوز من خلال إنزيمات خاصة بعملية
التمثيل الضوئي في مجموعات الأغشية التي تسمى
الثايلاكويدات (شكل
٢-١).
لدى كل العضيات الأخرى المحاطة بغشاءٍ (المعروفةِ مجتمعةً بالفجوات العصارية أو
الحويصلات) غشاءٌ واحد مزدوج الطبقة. وتحتوي الخلية العادية على نحو ١٠٠٠ من هذه
الحويصلات، وعلى عدد مماثل من الميتوكوندريا. تحتوي الحويصلات الإفرازية على رُسُل
كيميائية مثل الهرمونات التي تُفرَز من الخلية. وتحتوي الإندوسومات والليسوسومات
والبيروكسيسومات (انظر الشكل
١-٢) كلُّها على أمزجةٍ مختلفة من
الإنزيمات، وهي البروتينات التي تحفز التفاعلات الكيميائية. ويمكن تشبيه الليسوسومات
بمَعِدَة الخلية؛ إذ تحتوي على الإنزيمات المحلِّلة التي تُحلِّل المادة الحيوية إلى
مكوناتها لتوفير الغذاء للخلية. ويمكن لليسوسومات أيضًا أن تتَّحد مع الفجوات أو
الخلايا البلعمية التي تحتوي على المادة المبتلعة مثل البكتيريا؛ مما يؤدي إلى القضاء
على الكائنات الدخيلة وهضمها. وقد اكتشف العالِم البلجيكي كريستيان دو دوف الليسوسومات،
وهو اكتشاف نال عنه جائزة نوبل عام ١٩٧٤. واكتشف أيضًا البيروكسيسومات التي تتضاعف
بالانقسام مثل الميتوكوندريا والبلاستيدات الخضراء، غير أنها لا تحتوي على «دي إن إيه».
وتشارك البيروكسيسومات في العديد من التفاعلات الكيميائية الحيوية، وتحتوي على ٥٠
إنزيمًا مختلفًا على الأقل. وهي مهمة في تحليل (أكسدة) مواد مثل الدهون، موفِّرةً
مصدرًا كبيرًا من الطاقة الأيضية في الخلايا النباتية والحيوانية وخلايا الخميرة؛ ولأن
أحد نواتج عملية الأكسدة هو فوق أكسيد الهيدروجين الذي يشكل ضررًا على الخلية، تحتوي
البيروكسيسومات أيضًا على إنزيم يسمى الكاتاليز، وهو يحلِّل فوق أكسيد الهيدروجين إلى
ماء. البيروكسيسومات أيضًا مواضع لتخليق إنزيمات عديدة، الموجود منها في الخلايا
الكبدية مسئول عن إنتاج الصفراء. وكما هو الحال مع معظم العضيات الفردية، يترتب على
الطفرات التي تحدث في تكوين البيروكسيسومات نتائج بالغة الخطورة، وأيُّ خلل حادٍّ عادةً
ما يؤدي إلى بويضة مخصَّبة عاجزة عن إتمام عمليات الانقسام.
يتم إنتاج البروتينات الخاصة بمحتويات الفجوات العصارية المختلفة؛ مثل الليسوسومات
والبيروكسيسومات في أغشية الشبكة الإندوبلازمية. وقد اكتُشِفَت الشبكة الإندوبلازمية
مِنْ قِبَلِ ثلاثةٍ من العلماء الرُّوَّاد الذين اكتشفوا الميكروسكوب الإلكتروني — كيث
بورتر وجورج بالاد من نيويورك، وفريتيوف شوستراند من السويد — في أوائل خمسينيات القرن
العشرين. يسمح الميكروسكوب الإلكتروني بالتكبير ألف مرة مقارنةً بالميكروسكوب الضوئي
التقليدي، لكنه يفرض صعوبات في إعداد العينات؛ حيث إن الشعاع الإلكتروني لا يمكن أن
يمرَّ إلا من خلال مقاطع رفيعة جدًّا. ومن أجل التغلب على صعوبات إعداد العينات
للميكروسكوب الإلكتروني، بدأ بورتر وزملاؤه فحْص تركيب الخلية بطريقة لم تخطر على بال
أحد من قبل. ففي وقت واحد شوهدت الكتل غير المحدَّدة الشكل وغير المنتظمة في
الميكروسكوب الضوئي في صورة عضيات متمايزة واضحة مثل الميتوكوندريا (الشكل
٢-٢(ب)). وحسبما ورد على لسان دون فاوسيت، أحد زملاء بورتر وبالاد:
«من وجهة نظر علماء دراسة أشكال الكائنات الحية، يحمل العَقْد الذي امتد بين عامي ١٩٥٠
و١٩٦٠ نفسَ التطلع والإثارة اللذين يصاحبان استكشاف قارة جديدة.» ولا تزال صور فاوسيت
التوضيحية لفوق البنية الحيوية للأنسجة البشرية من الأعمال الكلاسيكية حتى هذا
اليوم.
(٤) توفير الطاقة اللازمة للخلية
تم عزل الميتوكوندريا عزلًا كيميائيًّا حيويًّا وتحليلُها لأول مرة على يد ألفريد
لينينجر عام ١٩٤٩؛ مما أكد وجود الإنزيمات المطلوبة لإنتاج الطاقة من خلال عملية
الفسفرة التأكسدية، وهي عملية ذات كفاءة عالية تتأكسد فيها المواد الغذائية لإنتاج
ثلاثي فوسفات الأدينوسين. تُخزَّن الطاقة اللازمة للعمل وتكوين البروتينات وتحريك
مكونات الخلايا في جزيء من ثلاثي فوسفات الأدينوسين. أما الطاقة في ثلاثي فوسفات
الأدينوسين فتُخزَّن في روابط فوسفات «عالية الطاقة». لتوضيح إحدى العمليات الكيميائية
الحيوية بإيجاز نقول: إن هذه الطاقة تأتي من تحرر الإلكترونات في دورة حمض الستريك داخل
حيز الغشاء الخاص بالميتوكوندريا، فينتج عن ذلك سنتاز ثلاثي فوسفات الأدينوسين، وهو
إنزيم يكوِّن بعد ذلك ثلاثي فوسفات الأدينوسين. تنطلق الطاقة من ثلاثي فوسفات
الأدينوسين عند تمييه روابط الفوسفات (وهي عملية ينقسم فيها الجزيء إلى جزأين بإضافة
جزيء ماء). ومع انطلاق الطاقة يتحول ثلاثي فوسفات الأدينوسين إلى ثنائي فوسفات
الأدينوسين، الذي يعاد تحويله ثانيةً إلى ثلاثي فوسفات الأدينوسين، مخزِّنًا الطاقة مرة
أخرى، ومستعدًّا للعمليات التالية.
بعد ثلاثة أعوام فقط من وصف الخصائص الكيميائية الحيوية للميتوكوندريا على يد
لينينجر، أظهرت صور الميكروسكوب الإلكتروني التي التقطها بالاد تركيبَ غشاء
الميتوكوندريا المذهل (الشكل
٢-٢(ب)). يعكس ترتيب هذه الاكتشافات
اتجاهًا عامًّا بأن الدراسات الكيميائية الحيوية قد أسفرت في أغلب الأحيان عن معلومات
مهمة حول العديد من أجزاء الخلية قبل تصويرها فِعليًّا باستخدام الميكروسكوب
الإلكتروني، على الرغم من أنَّ مختص الميكروسكوبات يرى أنه لا شيء يضاهي رؤية مكونات
الخلية باستخدام الميكروسكوب. فيمكن توضيح المناهج المختلفة لكلٍّ من عالم الكيمياء
الحيوية وعالم الأحياء كما يلي: افترِضْ أن كليهما لم يَرَ من قبلُ ساعةَ يدٍ، وأنه
قُدِّمت إليهما واحدة بغرض فحصها. بعد بضعة أيام، سيذكر عالم الكيمياء الحيوية أن
الساعة تم تحليلها عن طريق فصل مكوناتها الأساسية. وسيُظهر هذا التحليل أن الساعة
مكوَّنة من نسب مختلفة من النحاس، والنحاس الأصفر، والصلب، والبرونز، وربما بضع ماسات.
أما عالم الأحياء فسيعيد الساعة على حالتها؛ لأنه لن يفعل شيئًا سوى إزالة الجزء الخلفي
قائلًا: إنه يبدو أنها تتضمن نابضًا يحرك مجموعة من التروس المتداخلة التي تُحرِّك
ذراعين في الجزء الأمامي من الساعة، يبدو أنهما تدوران بسرعة منتظمة. مع بساطة هذه
المقارنة، فإنها تعطيك فكرة عن الاختلافات بين المنهج القائم على التحليل الذي يتبعه
عالم الكيمياء الحيوية، والمنهج القائم على الملاحظة الذي يتبعه عالم الأحياء. لحسن
الحظ أتى الجمع بين المنهجين بثمار مفيدة بالفعل في علم الأحياء الخلوي.
(٥) إنتاج البروتينات
إذا عدنا إلى الشبكة الإندوبلازمية، فسنجد أن معظم أغشية الشبكة الإندوبلازمية مغطاة
بالريبوسومات (الشكل
٢-٢(أ))، وتعرف بالشبكة الإندوبلازمية الخشنة،
في حين أن باقي الأغشية غير مغطاة بالريبوسومات (الشبكة الإندوبلازمية الملساء). ووظيفة
الريبوسومات هي تكوين (تخليق) بروتينات من الأحماض الأمينية، والاحتفاظ بتلك الأحماض
وتجميعها معًا لتكوين الببتيدات ثم عديدات الببتيد والبروتينات الكاملة. تشترك إحدى
سلاسل جزيئات الحمض النووي «آر إن إيه» في تكوين البروتينات. فداخل النواة، يجري أولًا
نسخ تسلسل قواعد النيوكليوتيدات المكونة لشفرة بروتين معين من قالب الحمض النووي «دي
إن
إيه» في عملية تسمى النسخ؛ مما يؤدي إلى إنتاج جزيء جديد من الحمض النووي «آر إن إيه»
الرسول. يمر «آر إن إيه» الرسول خارج النواة، ويخضع في أثناء ذلك لعملية تعديل (تسمى
التضفير). ما إن يصل «آر إن إيه» الرسول إلى السيتوبلازم، حتى تتحد معه الريبوسومات؛
حيث يعمل بعدها كقالب للربط بين الأحماض الأمينية في البروتينات، في عملية تسمى
الترجمة. تُنقل الأحماض الأمينية إلى الريبوسوم بواسطة جزيئات «آر إن إيه» قصيرة تعرف
باسم «آر إن إيه» الناقل. تدخل البروتينات المتكونة على الشبكة الإندوبلازمية الحيز
(التجويف) بين أغشية الشبكة الإندوبلازمية (الشكل
٢-٢(ب))؛ حيث
تُطوَى في عملية أخيرة قبل تمريرها لمواقع أخرى مثل أجهزة جولجي (الشكل
٢-٢(د)). وجهاز جولجي هو تجمع من الحويصلات الغشائية المنبسطة؛ حيث
تُجمَّع البروتينات الجديدة في فجوات عصارية لتوزيعها عبر الخلية، وقد تدخل السكريات
أيضًا في هذه العملية المعروفة باسم الارتباط بالجليكوزيل. تخضع البروتينات المخلَّقة
حديثًا لمراقبة جودة صارمة، وإن حدث أن وُجد بها عيب من أي نوع، فإنها تُوسَم بواسطة
جزيئات اليوبيكيتين كي تتعرض للانحلال السريع. يترتب على الخلل في طي البروتينات عواقب
وخيمة؛ إذ يؤدي إلى اضطرابات مثل مرض التليف الكيسي ومرض السكر. ربما تقل فاعلية آليات
التحكم في جودة البروتينات مع التقدم في السن؛ مما يؤدي إلى الإصابة بمرض ألزهايمر
وغيرها من أمراض الانحلال العصبي المرتبطة بتقدم العمر.
ما إن تُخلَّق البروتينات الجديدة وتُطوَى حتى تصبح بحاجة إلى الوصول لوجهتها الأخيرة
داخل الخلية بين مليارات جزيئات البروتينات الأخرى التي تُخلَّق وتتحلل على نحو دائم.
وقد تحتاج بعض البروتينات إلى أن تمرَّ عبر حاجز غشائي واحد أو حاجزين قبل الوصول إلى
المكان الذي ستؤدي فيه وظيفتَها. وفي عام ١٩٧١، اقترح كلٌّ من جونتر بلوبيل وديفيد
ساباتيني، من معهد روكفلر في نيويورك، «فرضية إشارة» تُعطَى فيها البروتينات بطاقة
عنوان أو كودًا بريديًّا لضمان انتهائها في أماكنها الصحيحة. تأخذ هذه العملية شكْل
تسلسلات قصيرة من الأحماض الأمينية التي تُعرف بالإشارات التخليقية، والتي ترتبط بعد
ذلك بمستقبِلات البروتينات؛ كي تسمح لها بالمرور عبر الحواجز الغشائية للوصول إلى
أماكنها الصحيحة. في عام ١٩٩٩، نال جونتر بلوبيل جائزة نوبل عن هذا العمل الذي فسَّر
الآليات الجزيئية وراء الإصابة بالعديد من الأمراض. فالإصابة بالتليُّف الكيسي والداء
الأوكسالي الأوَّلي (مرض يسبِّب تكوُّن حصوات الكلى في سن مبكرة) تُعزَى إلى بروتينات
عَجَزَت عن الوصول إلى أماكنها الصحيحة. وقد تبرع بلوبيل بالقيمة المالية لجائزة نوبل،
البالغة مليون دولار، لإعادة إعمار مدينة درسدن الألمانية — مسقط رأسه — بعد ما ألحقته
الحرب بها من دمار.
(٦) إنتاج الدهون
إضافةً إلى دور الشبكة الإندوبلازمية في تخليق البروتين، فإنها عضية متعددة الوظائف
تُرسل وتَستقبل الإشارات، وتعمل كمخزَن خلوي للكالسيوم، وهي مسئولة أيضًا عن تخليق
الليبيدات. ففي الخلايا الفردية تُنتَج الدهون على سطح الشبكة الإندوبلازمية في صورة
قطرات فردية صغيرة (عملية تكوُّن الدهون). ومع أن الدهون التي نعرفها، التي توجد حول
حواف شرائح اللحم وعادةً حول محيط الخصر، تبدو ككتل متجانسة صلبة؛ فهي توجد في شكل
قطرات دهنية محاطة بغشاء داخل خلايا فردية تسمى الخلايا الشحمية (انظر شكل
١-٣(د)). وفي ظل التناول الدائم للمواد الغذائية، ستُراكِم الخلايا
الشحمية الْمَزيَ من القطرات الدهنية التي تتحدُّ مع جيرانها فتصبح أكبر حجمًا،
ممثِّلةً النسبة الأكبر من حجم الخلية الذي يمكن أن يزيد ١٠٠ مرة عن حجمها «الطبيعي».
وهكذا تكُون السمنة خللًا في توازن الطاقة الذي يَنتج عن التراكم المستمر للقطرات
الدهنية داخل الخلايا الشحمية. عند هذه النقطة ربما نأسف على كفاءة الشبكة
الإندوبلازمية، فإلى جانب تخزين الدهون نجد أنها تعمل أيضًا على تخليق إنزيمات على
الشبكة الإندوبلازمية الملساء؛ بهدف تكسير الدهون من خلال عملية تسمى التحلل المائي
للدهون داخل الخلايا. ومن ثم فإن أحد العوامل الرئيسية في وزن الجسم هو التوازن بين
تخليق وتكسير الدهون داخل الشبكة الإندوبلازمية. وبالنظر إلى آثار زيادة الوزن على
الصحة، فمن العجيب أن نجد أن الدهون على المستوى الخلوي لم تحْظَ إلا باهتمام قليل
نسبيًّا؛ إذ لم يفكر أحد في القطرات الدهنية إلا باعتبارها مجرد مستودعاتِ تخزينٍ
بسيطة. مع ذلك تُوضح الدراسات الحديثة أن هذه القطرات هي عضيات بارزة، وأنها ليست مجرد
«كتل من الدهون» بأي حال. إن كل حقيقيات النواة لديها القدرة على تكوين الدهون التي
تُنتج كل الزيوت والشحوم المتكونة طبيعيًّا؛ من زيت بذور اللفت والزيتون في الخلايا
النباتية، إلى دهون الحليب واللانولين ودهون الخنزير في الخلايا الحيوانية. تتركز
الجزيئات الدهنية على سطح الشبكة الإندوبلازمية، ثم تنضغط مكوِّنة قطرة (تكون محاطة
خصوصًا بغشاء دهني وحيد الطبقة)، وتظل ملاصقة للشبكة الإندوبلازمية؛ حيث توجد الإنزيمات
التي تحفِّز تَكَوُّن الدهون. ترتبط الميتوكوندريا ارتباطًا وثيقًا بأماكن تخليق
الليبيدات؛ إذ توفِّر الطاقة اللازمة لتكوين الدهون. وترتبط الميتوكوندريا فعليًّا بسطح
الشبكة الإندوبلازمية بواسطة مجموعة من البروتينات الغشائية. ومع تراكم المزيد من
الدهون تتحدُّ القطرات الفردية مع القطرات المجاورة؛ مما يؤدي إلى اندماج الأغشية
المنفصلة، يليه إنتاج قطرات أكبر (الشكل
١-٣(د)). وأثناء تكسير
الدهون ينعكس اتجاه تلك العملية، فتنقسم القطرات الكبيرة إلى قطرات أصغر، وتحلِّل
الإنزيماتُ الخاصة بالشبكة الإندوبلازمية الملساء الجزيئاتِ الدهنيةَ التي تبرز من
الغشاء، ومن ثم يحدث تقليل لحجم القطرة من الخارج للداخل.
يمكن أن يحدث أيضًا ترسب الدهون داخل الخلايا الموجودة في بطانة الأوعية الدموية،
بخاصةٍ تلك المكوِّنة لجدران الشرايين الأساسية. يؤدي تراكم الدهون إلى تكوُّن لويحات
دهنية تسبب الإصابة بتصلب الشرايين الذي يحد من تدفق الدم، ومن الممكن أن يؤدي إلى
الإصابة بأزمات قلبية وسكتات دماغية. وفي مواضع أخرى يمكن أن يؤدي منعُ تدفق الدم أيضًا
إلى الإصابة بفشل كلوي أو غرغرينا. زيادة تراكم الدهون عامل رئيسي أيضًا في الإصابة
بمرض السكر من النوع الثاني ومرض الكبد الدهني. والتناول المفرط للكحوليات يمكن أن
يُحدث تغييرات في طريقة تحليل وتخزين الكبد للدهون؛ مما يؤدي إلى الإصابة بحالات أشد
خطورة؛ مثل تليف الكبد. لحسن الحظ ما زال بالإمكان تحلل القطرات الدهنية في الخلية، ومن
ثم يمكن تحسن الحالة مع تقليل تناول الكحول. إنَّ كلَّ المخاطر تنقلنا لسؤال منطقي هو:
ألم يكن من الأفضل ألا تحتوي أجسامنا على خلايا دهنية من الأساس؟ والرد أنها تعمل
استجابةً للضغوط التطورية، وهو ما يسمح بتخزين الطعام الذي ربما ساعدنا في البقاء على
قيد الحياة في فترات نقص الطعام، ويسمح كذلك للعديد من الثدييات الأخرى بالبقاء على قيد
الحياة ومواجهة مواسم الشتاء القارسة من خلال البيات الشتوي.
(٦-١) الخلايا الدهنية البنية
هناك نوع آخر من الخلايا الدهنية تسمى الخلايا الدهنية البنية، وفيها تتحلل
الدهون لتوليد الحرارة. في البشر تحتوي أجسام الأطفال الرضع على أكثر الخلايا
الدهنية البنية التي عادةً ما تتركز في مناطق الكتفين. وقد كان يُعتقد أن تلك
الخلايا تُفقَد في مرحلة البلوغ في معظم البشر، أما في الثدييات الصغيرة مثل
الجرذان والفئران؛ حيث يكون فقد الحرارة أكبر (بسبب زيادة نسبة مساحة السطح إلى
الحجم)، فإنها تبقى طوال الحياة. ويُظهر الإفراط في تغذية الفئران والجرذان أن
باستطاعتها التخلص من الطعام الزائد في صورة حرارة. وعلى الرغم من أن حيوانات
البيات الشتوي تتراكم فيها كتل هائلة من الدهون البيضاء، حتى تحافظ على حياتها عدة
أشهر دون طعام، فهي تستخدم خلاياها الدهنية البنية فقط عندما تخرج من بياتها حتى
ترفع درجة حرارة أجسادها. وعندما أصبحت تقنية «التصوير المقطعي بالانبعاث
البوزيتروني» هي تقنية التصوير الطبية القياسية منذ بضع سنوات، أظهر بعض المرضى
(الذين كانوا يرتدون أردية المستشفيات فقط ومن ثم كانوا يشعرون بالبرد) بقعًا غريبة
ذات نشاط أيضي عالٍ حول الكتفين والظهر، اختفت عندما شعر المرضى بالدفء. كانت تلك
البقعُ ترسباتٍ للدهون البنية نشطت بفعل البرد. الواقع أن البالغين يحتفظون بالدهون
البنية، وبعض الأفراد لديهم مخزون منها أكبر بكثير من الآخرين. من الأسباب المرجحة
وراء قدرة بعض الأفراد على تناول ما يريدون دون أن يزدادوا وزنًا، هو أن لديهم
خلايا دهنية بنية أكثر. نظريًّا، إذا استطعنا تحويل خلايانا الدهنية البيضاء إلى
خلايا دهنية بنية، سيتسنى لنا تناول ما نشاء وسينتهي بنا الحال بالشعور بمزيد من
الحرارة دون اكتساب المزيد من الوزن. تختلف الخلايا الدهنية البنية عن البيضاء بسبب
احتوائها على ميتوكوندريا أكثر، والحديد الذي تحتوي عليه الميتوكوندريا هو ما
يُكسبها اللون البني. وعملية الأيض العادية التي تحدث داخل الميتوكوندريا، والتي
تُنتِج الطاقة مخزَّنة في شكلِ ثلاثي فوسفات الأدينوسين، تتغير بحيث تولِّد الحرارة
من خلال عملية تسمى تسرُّب البروتونات، تقوم بها بروتينات غير مقترنة تسمى مولدات
الحرارة. وقد وُجد أن العمال الذين يتعرضون للبرودة الدائمة، مثل الغواصين في أعماق
البحار، تتراكم لديهم كميات من ترسبات الدهون البنية أعلى بكثير من المعدلات
الطبيعية؛ مما يشير إلى إمكانية إعادة إنتاج الدهون البنية في أجسام البالغين. لو
استطعنا تحويل الخلايا الدهنية البيضاء إلى خلايا بنية (مثلما حدث في زراعة
الأنسجة)، فسوف نحظى بأداة فعالة لمواجهة السِّمْنة؛ لأن الدهون الزائدة ستتعرض
لعملية «حرق» بالمعنى الحرفي.
(٦-٢) تعديل إنتاج الدهون
في الخلايا النباتية، يترتب على التعديل الوراثي لآلية تكوين القطرات الدهنية
نتائج مدهشة في حالة محاصيل البذور. فالكيمياء الحيوية لإنتاج الزيوت في الخلايا
النباتية تتبع مسارات مشابهة لإنتاج الدهون في الخلايا الحيوانية، وقد حدث بالفعل
تعديل وراثي لمجموعة من الإنزيمات (ناقلات ثنائي الجليسرول التي تحفز إنتاج الدهون
الثلاثية) حتى تضاعِف تقريبًا إنتاج الزيوت وحمض الزيتيك في الذرَّة.
(٧) الهيكل الخلوي
إن كلمة «هيكل» تستدعي في الذهن بقايا عظام شخص مات منذ فترة طويلة. إنَّ طول فترة
بقاء العظام يرجع إلى ترسُّب مواد معدنية مثل فوسفات الكالسيوم في مصفوفة العظام بواسطة
خلايا تسمى الخلايا البانية للعظام؛ مما يؤدي إلى صلابة العظام. في أثناء حياة الإنسان
ترتبط عظام هيكل الإنسان معًا من خلال أوتار وأربطةٍ تربطها بعضها ببعض بمرونة وكأنها
نظام من الروافع، بحيث تكون مستعدة لإنتاج الحركة المدفوعة بانقباض العضلات. وهناك
هياكل ذات وظائف مشابهة داخل الخلايا؛ حيث تلعب الأنيبيبات الدقيقة دور الروافع، بينما
النشاط «العضلي» توفره خيوط الأكتين الدقيقة، إلى جانب الميوسين، التي ينزلق بعضها فوق
بعض لتوفير الانقباض تمامًا كما يحدث في العضلة نفسها. لكن على عكس الدوام والصلابة
النسبية لهيكلنا العظمي العضلي، فإن السمة الأساسية للهيكل الخلوي هي الديناميكية
والمرونة؛ حيث يمكن بناء (بلمرة) المكونات من الوحدات البنائية بسرعة ملحوظة، ويمكن
هدمها بالسرعة نفسها عن طريق تحللها (إزالة البلمرة). إن الفكرة التقليدية عن كون
الخلية بالونًا مملوءًا بمادة هلامية هي فكرة أبعد ما تكون عن الصواب؛ فشكل الخلية يتم
التحكم فيه من الداخل، وتُغيره إشارات تُستقبل من البيئة الخارجية، ويتميز بالقدرة على
الاستجابة السريعة. تُغير الخلايا باستمرار من شكلها، وتُغير مكانها نسبة إلى الخلايا
المجاورة، أو تتحرك عبر الأنسجة الصلبة، أو تقطع رحلات طويلة في الجسم عن طريق الدخول
والخروج من مجرى الدم. أضِفْ إلى ذلك إعادة تنظيم الهيكل الخلوي بأكمله، وهو ما يلزم
لفصل الكروموسومات عند الانقسام (كما سنوضح في الفصل الرابع)، وعندها تصبح الطبيعة
الديناميكية للهيكل الخلوي هي السمة الأساسية له.
الهيكل الخلوي المنظم سمة مقصورة على حقيقيات النواة، على الرغم من وجود بروتينات
مماثلة في شكل بدائي في بعض أنواع البكتيريا. فيمكن تعريف الهيكل الخلوي لحقيقيات
النواة على أنه شبكة من ثلاثة أنواع من البروتينات الكبيرة: الأنيبيبات الدقيقة (مكونة
من بروتين أصغر هو التيوبولين)، والخيوط الوسطية (وهي مجموعة من البروتينات الليفية ذات
الخصائص المشابهة)، والخيوط الدقيقة (المكونة من بروتين أصغر هو الأكتين) (شكل
٢-٣(أ) و(ب)). كل بروتين من هذه البروتينات لديه العديد من البروتينات
المرتبطة به لمساعدته في أداء دوره في كل جانب تقريبًا من الأداء الخلوي. وعلى الرغم
من
أن كل عنصر من عناصر الهيكل الخلوي يمثل أجزاءً معينة في الأداء الخلوي المطلوب لتغيير
الشكل والحركة، فإن أفضل طريقة للتفكير في الهيكل الخلوي هي اعتباره نظامًا متكاملًا
يتضمن كل المكونات معًا. وإلى جانب مسئولية الهيكل الخلوي عن جميع استجابات الخلية،
فإنه يؤدي دورًا محوريًّا في تحريك المكونات داخل الخلايا؛ حيث تتفاعل الأنيبيبات
الدقيقة مع بروتينات الحركة مثل الداينين، موفرةً «خطوط نقل» لحركة الحمولة الخاصة
بالفجوات العصارية أو العضيات عبر الخلية.
ثمة خلاف حول ما إذا كانت البروتينات الليفية تنتشر داخل النواة لتكوين هيكل مكافئ
للهيكل الخلوي أم لا. ولأن الهيكل الخلوي مهمٌ قطعًا لتنظيم السيتوبلازم، فمن الغريب
أن
تكون هناك مثل هذه المعارضة لفكرة وجود هيكل مكافئ في النواة. فُصل بروتين الأكتين —
أحد المكونات الأساسية للهيكل الخلوي — لأول مرة من العضلات منذ أكثر من ٧٠ عامًا مضت.
والآن أصبح من المتعارف عليه أن الأكتين «غير العضلي» مكوِّن أساسي في السيتوبلازم، وهو
في واقع الأمر أكثر البروتينات انتشارًا في الخلية. لكن مؤخرًا أصبح من المتعارف عليه
أيضًا أن الأكتين مكوِّن أساسي في الخلية؛ حيث يشكِّل جزءًا من ترتيب الهيكل النووي
الخاص بالبروتينات الخيطية الطويلة إلى جانب الخيوط الوسطية للصفيحة النووية (اللامينا)
التي تعمل وكأنها سقالة ليفية لترتيب المكونات النووية، مكوِّنة بذلك «الهيكل النووي»
(انظر الشكل
٣-١(ﺟ) في الفصل الثالث).
(٨) الأهداب والسِّياط
لوحظ وجود «ذيول» شبيهة بالسياط في خلايا فردية منذ بداية ظهور الميكروسكوب الضوئي
في
أواخر القرن السابع عشر. وعادةً ما يحرك واحد أو اثنان من تلك الذيول (السياط) الخليةَ
عبر وسط مائي من خلال إحداث سلسلة من الموجات، بدءًا من القاع ووصولًا إلى القمة. وفي
الأنسجة الطلائية التي تبطن بعض الأعضاء مثل الرئتين، تكون الخلايا مغطاة بالعديد من
السياط (تسمى أهدابًا عندما توجد بأعداد كبيرة) التي تُحرِّك طبقة سطحية من المخاط. في
القصبة الهوائية تتحرك الأهداب جيئة وذهابًا، منتجة طبقة مخاطية تتحرك بشكل منتظم لأعلى
تجاه الحنجرة؛ مما يمنع أي تراكم للعوامل المعْدِيَة المحتملة في مجرى التنفس.
تمتلك بعض أنواع البكتيريا أيضًا سياطًا، لكنها بسيطة نسبيًّا، وتتكون من ذيل حلزوني
صلب يعمل كجهازِ دفع يدور عند قاعدته بواسطة محرك جزيئي. تكون السياط والأهداب في
حقيقيات النواة مثبتة داخل الخلية بواسطة بنية تسمى الجسم القاعدي، وتنتج حركتها
الشبيهة بحركة السوط داخل السوط نفسه بواسطة منظومة من الأنيبيبات الدقيقة المنتظمة في
بنية تسمى الخيط المحوري. يقول دون فاوسيت في كتابه الشهير «الخلية» الذي صدر عام ١٩٦١:
«قليلةٌ هي الأنشطة الخلوية التي أبهرت مختصِّي علم الخلايا أكثر مما أبهرتهم حركة
السياط والأهداب.» وفي عام ١٨٨٧، سَحَق جينسن سياط حيوانات منوية بين شريحة ميكروسكوبية
وشريحة تغطية زجاجية، واصفًا كيف أن ذيول الحيوانات المنوية قد «انسلَّت إلى عدد من
اللُّيَيْفات»، وذلك قبل ٦٠ عامًا من تأكيد ذلك بواسطة الميكروسكوب الإلكتروني. وقد
أثبتت إيريني مانتون — وهي عالمة نبات إنجليزية استطاعت أن تحصل على ميكروسكوب إلكتروني
بدائي من خلال نظام «الإعارة أو التأجير» بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية من
الولايات المتحدة — أن هناك ١١ ليفة في السياط النباتية، تمامًا كما هو الحال في السياط
الحيوانية، مؤكدةً على أن بنية السياط قد احتُفظ بها على نحو مثير للدهشة على مدار
عملية التطور. يتكون الخيط المحوري «العادي» من زوج مركزي من الأنيبيبات الدقيقة محاط
بتسع أنابيب صغيرة محيطية (الشكل
٢-٣(د)). وفي داخل الخلية يتكون
الجسم القاعدي بفعل أسطوانة قصيرة مكونة من تسع مجموعات ثلاثية من الأنيبيبات الدقيقة
بلا زوج مركزي.
(٩) الأنيبيبات الدقيقة
الأنيبيبة الدقيقة عبارة عن أنبوب مجوف، جداره مكون من بروتين يسمى التيوبولين.
يكوِّن جزيئان من التيوبولين مثنويًّا (دَيْمَر) يشبه الفول السوداني المقشور. تتصل
أطراف تلك المثنويات بعضها ببعض مكوِّنةً خيطًا طويلًا (خيطًا أوليًّا)، ويتصل ١٣ خيطًا
أوليًّا بعضها مع بعض بالطول لتكوين جدار الأنبوب المجوف الذي يكوِّن الأنيبيبة الدقيقة
(الشكل
٢-٣(ﺟ)). تعمل البروتينات المترابطة على تدعيم هذه البنية.
وفي الخيط المحوري لكلٍّ من السياط والأهداب، تحدث الحركة بفعل بروتين محرك يسمى
الداينين، وهو يربط الأنيبيبات الدقيقة المتجاورة ويسمح لها بالانزلاق بعضها فوق بعض
بطريقة متزامنة لإحداث انثناءة تتحرك على طول السوط؛ مما يعمل على إحداث حركة أشبه
بضربة السوط. نعرف الآن أن الروابط بين أذرع الداينين والأنيبيبات المجاورة — التي
اكتُشفت في الخمسينيات من القرن العشرين على يد بيورن أفزيليوس — تتكون ثم تتفكك
بالتتابع في صورة أشبه بتسلق الحبل يدًا بعد الأخرى.
إذا غاب بروتين الداينين الخاص بالأسواط أو حدثت به طفرة، فستكون العواقب وخيمة. فبعد
٢٥ عامًا من اكتشاف أفزيليوس المبدئي لروابط الداينين، فحَص الحيوانات المنوية لأربعة
مرضى في إحدى عيادات الخصوبة في السويد، ووجد أن أذرع الداينين لم تكن موجودة في الخيوط
المحورية لذيول الحيوانات المنوية؛ مما جعل تلك الحيوانات المنوية «غير قادرة على
السباحة»؛ وهو ما أدى بالطبع إلى عدم قدرتها على إخصاب البويضات. وقد كان نصف المرضى
يعانون أيضًا من حالة يطلق عليها «انعكاس وضع الأعضاء»؛ حيث توجد أعضاء الأحشاء
الأساسية (القلب والطحال والبنكرياس) في الجانب الأيمن من الجسم، مع أن مكانها الطبيعي
في الجانب الأيسر منه. وقد ثبت أن هذه الحالة تنتج عن نقص في الأهداب العاملة في مرحلة
مبكرة من تطور الجنين، عندما يتكون محور الجسم الأيمن والأيسر. ويطلق على تلك الحالة
متلازمة كارتاجينر، نسبة إلى العالم مانيس كارتاجينر الذي وصفها في ثلاثينيات القرن
العشرين.
يوجد نوع معين من الأهداب في كل خلية، وتعمل تلك «الأهداب الأولية» كأعضاء حسية؛
فتكون أشبه بهوائي لاسلكي لتجميع المعلومات من البيئات المحيطة المباشرة. وهي لا يمكنها
الحركة بشكل منفرد؛ حيث ينقصها كلٌّ من الزوج المركزي من الأنيبيبات الدقيقة وروابط
الداينين بين الأنيبيبات التسعة الخارجية. ومن المعروف أن تلك الأهداب تؤدي مجموعة
هائلة من الوظائف، فهي تعمل كمستقبلات للمثيرات الميكانيكية والكيميائية. وفي بطانة
الأنف، تربط أهداب أولية معدَّلة بين المستقبِلات في الخلايا المتخصصة للنسيج الطلائي
الشمي في الأنف (العقد الشجيرية)؛ حيث يكون الإدراك بالرائحة. أما في العين، فترتبط
المستقبلات الضوئية المتخصصة للشبكية بأجسام خلاياها بواسطة أحد الأهداب الأولية.
ويتحكم الهدب الأولي أيضًا في انقسام الخلايا وله دور مؤكد في حركة الخلايا.
ويطلق على الأمراض التي تنتج عن وجود خلل في الأهداب: الاضطرابات الهدبية، وتتضمن
مجموعة كبيرة من الأعراض عادةً ما تُميَّز وتصنَّف كمتلازمات منفصلة، وذلك قبل فترة
طويلة من اكتشاف السبب الخلوي الأساسي. قد يشترك كل المرضى في بعض الأعراض، في حين
يقتصر البعض الآخر على مرضى بأعينهم. فالمرضى المصابون بالمتلازمة الوراثية الوجهية
الفموية الإصبعية يعانون من وجود أصابع زائدة في الأيدي والأقدام ومشكلات بالكلى. أما
المرضى بالمتلازمة الوراثية بارديه-بيدل (التي اكتُشفت لأول مرة في أواخر القرن التاسع
عشر)، فيعانون أيضًا من مشكلات بالكلى، وضمور في الشبكية قد يؤدي إلى العمى، إلى جانب
السِّمنة والسكر، وكلها نتيجة خلل في الأهداب.
(٩-١) الأنيبيبات الدقيقة بين الخلايا
كان يعتقد أن الأنيبيبات الدقيقة مقصورة على الخيوط المحورية إلى أن أدت التطورات
التي حدثت في استخدام الميكروسكوب الإلكتروني في أوائل الستينيات من القرن العشرين
إلى اكتشاف تلك الأنيبيبات في السيتوبلازم. ولأنها تظهر دائمًا كأعمدة مجوفة
مستقيمة، فقد كان يُعتقد أنها عبارة عن مكونات صلبة ودائمة، لكن أثبت لويس تيلني
وكيث بورتر أنه بمجرد تبريد نوع من الأوليات يدعى «أكتينوسفيريوم» لما يقرب من ٤
درجات مئوية، تتداعى كل زوائد الخلية التي تدعمها الأنيبيبات الدقيقة؛ وذلك بسبب
تفكك الأنيبيبات الدقيقة نفسها، ويعاد تكونها لاحقًا بعد عدة دقائق في درجة حرارة
الغرفة. وفي الثمانينيات من القرن العشرين اتضحت مدى ديناميكية الأنيبيبات الدقيقة،
وذلك عندما أثبت تيم ميتشيسون أن الأنيبيبات الدقيقة يمكن أن تتداعى وتتكون من جديد
في ثوانٍ، وهي عملية سماها «عدم الاستقرار الديناميكي».
تكوِّن الأنيبيبات الدقيقة أيضًا هيكل مغزل الانقسام الخيطي الذي بواسطته توزَّع
الكروموسومات على الخلايا الوليدة عند الانقسام (انظر الفصل الرابع). عند تعريض
الخلايا في طور الانقسام لعقار يسمى كولشيسين (وهو يرتبط بالتيوبولين ويمنعه من
الاتحاد بعضه ببعض من أجل تكوين الخيوط)، قد يَحُول ذلك دون تكوُّن مغزل الانقسام
الخيطي؛ مما يؤدي إلى «تجميد» عملية الانقسام وتراكم الخلايا من أجل تحليل
الكروموسومات. كان الكولشيسين المكوِّن الفعال في المستخلصات المأخوذة من نبات
الزعفران الخريفي الذي استخدمه قدماء المصريين أولًا لمعالجة التهاب المفاصل. ويمكن
الحيلولة دون تكون مغزل الانقسام الخيطي أيضًا من خلال عقاقير تثبت الأنيبيبات
الدقيقة داخل السيتوبلازم؛ مما يمنع تحللها حتى يعاد تشكُّلها في صورة أنيبيبات
دقيقة مغزلية. من أمثلة تلك العقاقير تاكسول (المستخلص من لحاء أشجار الطقسوس
الغربي). أصبح التاكسول مرشحًا مثاليًّا في علاج السرطان. ولأن إزالة اللحاء يتسبب
في موت الأشجار، كاد الطلب على اللحاء أن يؤدي إلى فقدان كل أشجار الطقسوس الغربي
في الولايات المتحدة. لحسن الحظ أمكن تخليق هذا العقار كيميائيًّا في صورة عقار
يسمى باكليتاكسيل. ونظرًا للمعدل المتسارع لانقسام الخلايا السرطانية، تكاد كل
العقاقير التي تعترض تكوُّن الأنيبيبات الدقيقة والمغزل أن تكون علاجًا محتملًا
للسرطان.
وقع الاختيار على الأرومات الليفية المستنبتة عند دراسة وظيفة الأنيبيبات
الدقيقة. وتوجد الأرومات الليفية في النسيج الضام مثل المفاصل والأربطة والأوتار.
تكُون الأرومات الليفية المستنبتة في المختبر طويلة ومسطحة، وتتحرك حول سطح طبق
المزرعة بطرف أمامي عريض وطرف خلفي مستدق (الشكل
١-٣(ﺟ)). في
المقابل تبقى الخلايا الطلائية مسطحة ومتعددة الجوانب في المزرعة (الشكل
١-٣(ب)). في كل الخلايا المستنبتة تبرز الأنيبيبات الدقيقة
السيتوبلازمية للخارج في السيتوبلازم من هيكل قريب من النواة يسمى الجسيم المركزي.
والجسيمات المركزية عبارة عن مركز لتنظيم الأنيبيبات الدقيقة، وتتحكم في إحلال
وتوزيع الأنيبيبات الدقيقة. وهي تحتوي على بنيات (السنتريولات) مطابقة للأجسام
القاعدية الموجودة في قاعدة كل سوط أو هدب. وتوجد السنتريولات في أزواج، في زوايا
قائمة بعضها مع بعضها. وفي مرحلة مبكرة من انقسام الخلية، تنفصل وتنتقل إلى الجوانب
المقابلة من الخلية لتنظيم الأنيبيبات الدقيقة التي تكوِّن مغزل الانقسام
الخيطي.
إنها خطوة فنية قصيرة من زرع خلايا في دوارق بلاستيكية إلى توفير بيئة ملائمة
(غرفة درجة حرارتها ٣٧ درجة مئوية)؛ مما يسمح للدورق بأن يوضع على رف الميكروسكوب
حتى يمكن ملاحظة الخلايا الحية وهي تقوم بعملها. ولأن الخلايا الحية شفافة بدرجة
كبيرة، فمن الصعب رؤية تفاصيل كثيرة دون أجهزة بصرية متعددة مثل الميكروسكوب متباين
الأطوار الذي يحوِّل الفروق الطفيفة في خصائص قابلية الانكسار في مكونات الخلية إلى
مناطق مضيئة ومظلمة. من أجل هذا التطور المهم، حصل فريتس زيرنيكي على جائزة نوبل
عام ١٩٥٣. والآن، يمكن «وسم» أي بروتين ليشع ضوءًا (عند توجيه مصدر أشعة فوق
بنفسجية إليه)، وذلك بربط جيناته مع جينات بروتين يسمى البروتين الفلوري الأخضر (أو
بروتين الإيكورين) الذي استُخلص في الأساس من قنديل بحر «يتوهج في الظلام». وبتغيير
تسلسل الأحماض الأمينية لهذا البروتين، تغيرت منذ ذلك الحين خصائصه الفلورية، وهو
متاح الآن في أشكال فلورية زرقاء وبرتقالية وصفراء وحمراء؛ مما يسمح بتتبع العديد
من البروتينات المختلفة على مدار الوقت في نفس الخلية الحية. أضِفْ إلى ذلك قدرة
كاميرات الإضاءة المنخفضة على التقاط إشارات من بضعة جزيئات فحسب لكل خلية، إلى
جانب الإضاءة بالليزر والتحليل والتصوير بالكمبيوتر، وهو ما جعل ملاحظة الخلايا
الحية تمدُّنا بفيض من المعلومات التي لم نكن نتصور الحصول عليها منذ سنوات قليلة
فقط. من الممكن الآن مراقبة عملية معينة خاصة بإحدى الخلايا الحية عبر الوقت من
خلال الميكروسكوب الضوئي، ثم إجراء عملية تجميد سريع لتلك الخلية في غضون ملِّي
ثوانٍ وتهيئتها للفحص بواسطة الميكروسكوب الإلكتروني. هناك أدوات استكشاف صغيرة
تسمى النقاط الكمية، وهي مشعة بحيث يمكن استخدامها مع الميكروسكوبات الضوئية، وذات
كثافة إلكترونية عالية بحيث يمكن استخدامها مع الميكروسكوبات الإلكترونية؛ ولذلك
فهي تسمح بوسم الجزيئات نفسها مع كلتا التقنيتين.
إن إلقاء نظرة أولية سريعة على معظم الخلايا الحية باستخدام الميكروسكوب متباين
الأطوار قد يكون محبطًا لغير المتخصصين؛ فلن تظهر الكثير من التفاصيل. فالكائنات
وحيدة الخلية ستتحرك بسرعة ونشاط في الوقت الفعلي، مدفوعة بأهدابها أو أسواطها، في
حين ستزحف الأميبات بسرعة تسهل ملاحظتها في الوقت الفعلي. أما في الخلايا
المستنبتة، يُصوَّر النشاط الخلوي الذي يُعرَض في البرامج العلمية المعروفة
باستخدام تقنية الفاصل الزمني، التي فيها تُسجَّل الصور الفردية بفواصل زمنية قدرها
عدة ثوانٍ، ثم تُشغَّل تباعًا وبسرعة. بهذه الطريقة، فإن الساعة التي تأخذها أي
خلية كي تنقسم تُسجَّل بواسطة صورة واحدة كل ١٠ ثوانٍ. ويؤدي تشغيل الصور في ٢٥
إطارًا في الثانية إلى ضغط العملية في أقل من ١٠ ثوانٍ فقط؛ مما يجعلها تظهر بشكل
أكثر ديناميكية.
في منتصف السبعينيات من القرن العشرين، أظهرت الميكروسكوبات المعتمدة على تقنية
الفاصل الزمني حركةً بدتْ غير معتادة داخل الخلايا. فإلى جانب الحركة البراونية
المستمرة والعشوائية للسيتوبلازم، فهناك حركة مميزة تشبه القفز؛ حيث يتحرك جسيم ما
بشكل مفاجئ عدة ميكرومترات عبر الخلية، ثم يتوقف ثم يعاود الحركة. تحدث تلك الحركة
— على نحو يثير الدهشة — في خطوط مستقيمة، كما لو كانت تتحرك على سكك حديدية. يحدث
خلل في تلك الحركة مع التبريد أو في وجود الكولشيسين، وهي العوامل التي تؤدي إلى
تحلل الأنيبيبات الدقيقة، لكن ليس في وجود الباكليتاكسيل الذي يؤدي إلى تثبيت
الأنيبيبات الدقيقة. من الواضح أن الأنيبيبات الدقيقة السليمة كانت تعمل بمنزلة سكك
حديدية إرشادية كي تتحرك الفجوات العصارية على طولها. أما عن كيفية حركة المواد عبر
الأنيبيبات الدقيقة، فلم تُكتشَف حتى منتصف التسعينيات من القرن العشرين، عندما
اكتُشفت البروتينات المسئولة عن الحركة. يتخذ أحد هذه البروتينات — وهو الكينيسين —
شكل حرف (Y) مقلوب، بحيث يكون له المكافئ الجزيئي
للقدمين، وهو «يسير» حرفيًّا على طول الأنيبيب الدقيق، تمامًا مثل بهلوان يمشي على
حبل مشدود يحمل بالونة كبيرة (الفجوة العصارية المرتبطة به) فوق رأسه. يعمل الشكل
السيتوبلازمي من الداينين (الذي يحرك الأنيبيبات الدقيقة الخاصة بالأسواط خلف
بعضها) بصورة مماثلة للغاية. ويتم توفير الطاقة اللازمة لكلا الجزيئين من خلال
تحويلِ ثلاثي فوسفات الأدينوسين إلى ثنائي فوسفات الأدينوسين. وتبلغ كل خطوة ١٦
نانومترًا؛ مما يتطلب ٦٢ خطوة لكي يتحرك مسافة ميكرومتر، ويمكن قطع عدة ميكرومترات
(منتصف المسافة عبر الخلية) في بضع دقائق. اكتُشفت التفاعلات الجزيئية بين
الكينيسين والأنيبيبات الدقيقة بواسطة فحص تفاصيل الجزيئات باستخدام الميكروسكوب
الإلكتروني، وبمساعدة تقنية تسمح بالتجميد الفوري للخلية والإبقاء على الترتيبات
الجزيئية تمامًا كما لو كانت حية. وتتضح التفاعلات بين الكينسين والأنيبيبات
الدقيقة بشكل رائع من خلال الرسوم المتحركة الجزيئية المتاحة على شبكة الإنترنت
(انظر «قراءات إضافية»).
(١٠) الخيوط الوسطية
أسفرت متطلبات نمط الحياة المتحرك في الحيوانات عن تكون قوة ميكانيكية بطرق شتى.
فالكائنات لها هيكل، سواء كان في شكل قشرة كما في الهياكل الخارجية للحشرات والقشريات،
أو في شكل هيكل داخلي كما في الأسماك والبرمائيات والزواحف والطيور والثدييات. وفي كل
الأحوال، تكون المادة المكوِّنة للهيكل مصنوعة من بروتينات تفرزها الخلايا، وفي بعض
الحالات تكتسب خواص معدنية لمزيد من الصلابة. وتُعرف هذه المادة بالنسيج خارج الخلية.
وداخل الخلايا الحيوانية الفردية، تتوافر القوة الميكانيكية عن طريق مجموعة من
البروتينات التي تعرف بالخيوط الوسطية، وهي عبارة عن أسلاك ذات قوةِ شدٍّ عالية وإن
كانت مرنة تنتشر عبر الخلية بأكملها. وترتبط الخلايا في الأنسجة مع جيرانها من خلال
وصلات غشائية قوية تسمى الجسيمات الواصلة التي تثبت في مكانها بواسطة الخيوط الوسطية؛
مما يوفر شبكة مشدودة عبر النسيج.
تسمى الخيوط الوسطية بهذا الاسم نظرًا لأن قطرها (١٠ نانومترات) وسطٌ بين قطر الخيوط
الدقيقة (٦ نانومترات) والأنيبيبات الدقيقة (٢٥ نانومترًا). وعلى الرغم من أن خيوط
الأكتين والأنيبيبات الدقيقة واحدة في كل الخلايا (بما في ذلك الخلايا النباتية)، وأن
الخيوط الوسطية (اللامينات) في النواة ثابتة؛ فإن الخيوط الوسطية السيتوبلازمية تختلف
حسب نوع نسيجها وأصلها الجنيني. تتميز خلايا الأنسجة الضامة بوجود خيط وسطي يسمى
الفيمنتين، في حين أن الخيوط العصبية توجد في النسيج العصبي، والديسمين يوجد في العضلات
الفقارية. أما الكيراتينات، فهي مجموعة كبيرة من الخيوط الوسطية الموجودة في الخلايا
الطلائية التي تكوِّن البروتين الهيكلي للجلد. وتكوِّن الكيراتينات التي تُفرَز خارج
الخلية الشعرَ والصوف والأظفار والقرون والحوافر. وتلك الكيراتينات «الصلبة» عبارة عن
إفرازات ثابتة خارج الخلية، ومن ثم فهي ميتة، على الرغم من أن هناك العديد من
الكيراتينات السيتوبلازمية الأخرى الديناميكية. وقد يؤدي حدوث طفرات في الكيراتينات إلى
إضعاف الجلد؛ مما يتسبب في حالة تُعرف باسم انحلال الجلد الفقاعي؛ حيث يمكن أن يؤدي أي
احتكاك بسيط إلى ظهور بُثُور شديدة بالجلد، يمكن أن تهدد حياة الأطفال حديثي
الولادة.
(١١) الخيوط الدقيقة
تعرف أقل البروتينات الخيطية سُمكًا في الخلية باسم الخيوط الدقيقة، ويبلغ قطرها نحو
٦ نانومترات؛ أي نصف قطر الخيوط الوسطية، وتتكون من بروتين الأكتين. والأكتين عبارة عن
بروتين كروي، لكنه يأخذ شكلًا مختلفًا (الأكتين الخيطي) عندما يتجمع في شكل خيوط.
يُنظَّم الأكتين الخيطي بعد ذلك في شكل حُزَم أو شبكات من خلال مجموعة من البروتينات
الرابطة للأكتين، مكونةً على الأقل ١٥ هيكلًا مختلفًا في الخلايا غير العضلية. وترجع
قصة اكتشاف الأكتين إلى أكثر من ٦٠ عامًا؛ أي إلى أربعينيات القرن العشرين، عندما اكتشف
ألبرت ناجيرابولت وجود كلٍّ من الأكتين والميوسين في العضلة الهيكلية. وأثبتت دراسات
لاحقة في خمسينيات القرن العشرين على يد أندرو هكسلي وهيو هكسلي (لا توجد صلة قرابة
بينهما) أنه عندما تنقبض العضلات تنزلق خيوط الأكتين فوق خيوط الميوسين، وهو تفاعل يؤدي
إلى تقصير العضلة؛ مما ينتج القوة. ويوفر تحول ثلاثي فوسفات الأدينوسين إلى ثنائي
فوسفات الأدينوسين الطاقة اللازمة لحدوث هذا التفاعل الجزيئي. إن للعضلة بِنْية جزيئية
هندسية بالغة التنظيم؛ حيث يحاط كل جزيء ميوسين بأسطوانة من ٦ جزيئات أكتين تسمح
للجزيئات بأن تنزلق بعضها فوق بعض. إن هذا التنظيم موجود فقط في الخلايا العضلية؛ لذلك
فإن الاحتمال الذي ظل قائمًا لسنوات عديدة بإمكانية تفاعل الأكتين والميوسين لإحداث
انقباض في الخلايا غير العضلية بدا مستحيلًا. لكن في عام ١٩٧٣ أثبت توم بولارد أن هناك
أكثر من نوع من الميوسين في الخلايا غير العضلية. ونحن نعرف الآن أن هناك أكثر من ٤٠
نوعًا مختلفًا من الميوسين في الثدييات، وأنها (إلى جانب الأكتين الخيطي) توفر القوة
الحركية الخاصة بانقسام الخلية وحركتها وحصولها على مواد خارجية (عملية البلعمة). ويلعب
الأكتين أيضًا دورًا هيكليًّا في الهيكل الخلوي. وتدعم أنوية خيوط الأكتين، المرتبطة
معًا من خلال بروتين الفيلين، الزوائدَ إصبعيةَ الشكل الخاصة بالغشاء الخلوي (وهي
الأرجل الكاذبة الخيطية والزغيبات).
(١٢) التفاعلات بين النواة والهيكل الخارجي
من داخل النواة إلى سطح الخلية، توجد روابط بين كل البروتينات الخيطية. وتعد
اللامينات داخل النواة إحدى فئات الخيوط الوسطية (انظر الفصل الثالث)، والمرتبطة مع
الخيوط الوسطية السيتوبلازمية من خلال معابر بروتينية تعبر الغلاف النووي. ترتبط كل
عناصر الهيكل الخارجي بعضها ببعض، مع وجود روابط بروتينية مباشرة (البلاكينات) بين
الخيوط الوسطية والأنيبيبات الدقيقة، وأيضًا بين الخيوط الدقيقة والأنيبيبات الدقيقة
التي تُشكِّل العنصر الثالث الأكبر من الهيكل الخارجي. إن هذه السقالة البروتينية
المترابطة من الأنيبيبات الدقيقة والخيوط الوسطية والخيوط الدقيقة، إلى جانب البروتينات
المختلفة؛ تعمل معًا للحفاظ على التكامل الهيكلي والميكانيكي للخلية الحيوانية وقدرتها
على الحركة (انظر الفصل الرابع).
داخل أي خلية حية تتضافر كل مكونات الهيكل الخارجي الثلاثة في العمل، كما قد يكون
متوقعًا بعد أربعة مليارات عام من التطور. يشبه شرح مكونات الهيكل الخلوي بشكل فردي
وصْف كبَّاس وذراع توصيل وعمود إدارة دون ذكر المحرك. في كلتا الحالتين يكون الكل أكبر
كثيرًا من مجموع أجزائه.
(١٣) الانشدادية
منذ ثلاثين عامًا، عندما كان دونالد إنبير طالبًا بجامعة ييل، كان مقتنعًا بأن وجهة
النظر القائلة بأن الخلية تشبه «كيسًا مطاطيًّا مملوءًا بمادة هلامية» هي وجهة نظر
مفرطة في التبسيط. وأثار اهتمامه التطور الهائل الذي أدخله بوكمنستر فولر في مجال
التصميم المعماري في الأربعينيات من القرن العشرين، الذي أنشأ سلسلة من الهياكل الرائعة
التي تُسمى القباب الجيوديسية (بما في ذلك منزله). يتم إنشاء تلك القباب من غلاف من
المثلثات الصلبة الصغيرة المتعددة دون أي هياكل داعمة كبيرة مثل الروافد أو الأعمدة.
تأثر فولر نفسه بالأعمال النحتية لكينيث سنيلسن؛ حيث تبدو القضبان الصلبة المصنوعة من
الفولاذ المقاوم للصدأ وكأنها تطفو في الهواء، لكن الواقع أنها مدعمة بواسطة نظام من
الأسلاك تشبه حبال الأشرعة والصواري في مركب شراعي؛ حيث يُثَبَّت الصاري في مكانه من
خلال توازن القوى الشادة والقوى الضاغطة. إن الصاري في حد ذاته صلب حتى يقاوِم الانضغاط
الناتج عن الشد في حبال الأشرعة والصواري. الهيكل متين، وسينهار فقط إذا حدث انحناء في
الصاري، أو تقطعت حبال الأشرعة والصواري. هذا هو مبدأ الانشدادية الذي يوفر القدر
الأقصى من القوة للاستهلاك الأدنى للطاقة والخامات. اعتقد إنبير أن خاصية الانشدادية
موجودة في كل الخلايا الحية، وذلك من خلال الأنيبيبات الدقيقة الصلبة التي تقاوم
الانضغاط الناتج عن الأكتين والخيوط الوسطية. هكذا تولِّد تلك الخاصيةُ القوةَ داخل كل
أشكال الخلايا، سواء كانت الخلايا السداسية المنبسطة الموجودة في الأنسجة الطلائية أو
خلايا المحور العصبية الممتدة التي قد يبلغ طولها مترًا. وتعمل خاصية الانشدادية حتى
عندما تُغير الخلية شكلها، كما يحدث أثناء الانقسام. في المزرعة تتجمع الخلايا المنبسطة
أو الممتدة في بداية الانقسام ثم تنفصل، تاركةً اثنتين من الخلايا الوليدة كُرَوِيَّتَي
الشكل تنبسطان بعد ذلك وتنتشران. ومع انبساط الحواف تكون المثلثات المتكونة من جانب
ألياف الأكتين مرئية بشكل واضح حول الحافة، مع وجود ٦ مثلثات مجاورة؛ مما يؤدي إلى
تكوُّن شكل سداسي، تمامًا مثل حافة قبة فولر الجيوديسية. تنبسط الخلية أكثر، مغيرةً
الشكل إلى شكل خلايا ليفية ممتدة تقليدية، ومكونةً ارتباطات بين الغشاء والطبقة
الأساسية تسمى نقاط الالتصاق البؤرية، قبل أن تنتقل كخلية واحدة. على العكس من ذلك
ترتبط الخلايا المستنبتة في المزارع من الأنسجة الطلائية مع جيرانها وتتحرك كصفيحة.
وكما هو الحال في الأنسجة الحية، ترتبط الخلايا الطلائية بعضها مع بعض بواسطة هياكل
تسمى الجسيمات الواصلة، وهي عبارة عن هياكل صلبة تشبه اللويحة، تتكون بفعل الدعم المحلي
لغشاء الخلية، وتثبت في مكانها داخل الخلية من خلال الخيوط الوسطية. وفي الجلد، في نسيج
ينثني أو يتمدد بشكل منتظم، تشتمل خلايا البشرة على العديد من الجسيمات الواصلة، وتحدث
تقوية الخيوط الوسطية الخاصة بها من خلال خيوط كيراتين متعددةٍ (الشكل
٢-٣(أ) و(ب)). وعند تكراره في كل خلية، ينشئ هذا الترتيب نسيجًا بالغ
الصلابة.